مقديشو / وكالة صونا- في خطوة تعكس تحولًا نوعيًا في مقاربة الدولة الصومالية لقضية الأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، وقّعت الحكومة الفيدرالية الصومالية، بالتعاون مع الأمم المتحدة يوم 17 في شهر ديسمبر الجاري، دليل تنفيذ خطة 2025 لحماية الأطفال، في مسعى استراتيجي يربط بين الأمن، والعدالة الاجتماعية، وبناء الدولة بعد عقود من الصراع.
وتم توقيع الدليل في العاصمة مقديشو من طرف الصومال وزير الدفاع أحمد معلم فقي، ومن طرف الأمم المتحدة، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصومال جيمس سوان، وممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الصومال ساندرا لاتوف، وذلك بحضور من وزارات ومؤسسات حكومية، ما يعكس الطابع الشامل للخطة والرهان الرسمي عليها.
لا تقتصر خطة 2025 على البعد الإنساني فحسب، بل تمثل إطارًا سياسيًا وقانونيًا متكاملًا لإعادة تعريف علاقة الدولة الصومالية بأطفالها في سياق ما بعد النزاع. فالمراسم شهدت حضور اللجنة التنسيقية المشتركة لشؤون الأطفال والنزاعات المسلحة، والتي تضم وزارات الدفاع، والأمن الداخلي، والعدل والشؤون الدستورية، والأسرة وحقوق الإنسان، والصحة، والتعليم، والعمل والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى مكتب النائب العام، فضلًا عن ممثلين عن حكومات الأقاليم الفيدرالية. هذا الحضور الواسع يؤكد أن حماية الأطفال لم تعد ملفًا قطاعيًا، بل باتت قضية دولة تتقاطع فيها الأبعاد الأمنية والقانونية والاجتماعية.

التزام رسمي بعدم تجنيد الأطفال
شدد وزير الدفاع الصومالي أحمد معلم فقي، في كلمته خلال التوقيع، على التزام الحكومة الصريح بعدم السماح بانخراط أي طفل دون سن الثامنة عشرة في صفوف القوات المسلحة الصومالية، معتبرًا ذلك خطًا أحمر لا يمكن التهاون فيه. وأشار الوزير إلى أن الجماعات المسلحة، وفي مقدمتها حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة تتحمل مسؤولية نحو 66% من الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال في المناطق التي تنشط فيها، واصفًا هذه الجماعات بأنها تشكل تهديدًا مباشرًا للأطفال، والبالغين، والدين، والمجتمع، والدولة على حد سواء.
وأكد فقي أن الحكومة، بالتعاون مع شركائها، شرعت في جهد وطني واسع لحماية كرامة الأطفال والنساء، وصون القيم الدينية والثقافية، وملاحقة مرتكبي الانتهاكات عبر أدوات القانون والعدالة، بما يعزز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
من جانبه، اعتبر وزير العدل والشؤون الدستورية حسن معلم محمود أن توقيع دليل تنفيذ خطة 2025 يمثل نجاحًا كبيرًا يعكس حجم التقدم الذي أحرزته الصومال في ملف حماية الأطفال من ويلات الحروب والنزاعات، مؤكدًا أن الدولة قطعت شوطًا مهمًا في مواءمة تشريعاتها مع المعايير الدولية.
أما وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ إسماعيل، فوصف الخطوة بأنها دليل على نضج مؤسسي ومسؤولية وطنية، مشيرًا إلى أن حماية الأطفال أصبحت جزءًا أصيلًا من منظومة الأمن الوطني، وليس مجرد ملف إنساني طارئ.
مسار طويل من التعاون مع الأمم المتحدة
تستند خطة 2025 إلى تعاون ممتد بين الحكومة الصومالية والأمم المتحدة، بدأ منذ عام 2012 بتوقيع خطة عمل مشتركة تهدف إلى وقف تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة، ومنع قتلهم أو تشويههم. وفي عام 2019، اعتمد الطرفان دليلًا لتعزيز وتسريع تنفيذ تلك الالتزامات، قبل أن تصادق الحكومة الصومالية عام 2023 على إرشادات التحقق من العمر والقائمة الموحدة للتحقق، في خطوة هدفت إلى سد الثغرات الإجرائية وتعزيز الحماية القانونية للأطفال.
وقد تُوّج هذا المسار بإشادة دولية، إذ أشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2025 بشأن الأطفال والنزاعات المسلحة إلى رفع اسم الجيش الوطني الصومالي والشرطة، بشكل رسمي، من قوائم الجهات المتهمة بتجنيد الأطفال، نتيجة إصلاحات مؤسسية وتقدم ملموس على الأرض.
إجراءات عملية بخمس ركائز أساسية
يتضمن دليل تنفيذ خطة 2025 حزمة من الإجراءات العملية، تشكل في مجموعها خريطة طريق لحماية الأطفال في بيئة ما بعد النزاع، أبرزها:
- إرساء إطار قانوني ومؤسسي متين يضمن حماية الأطفال ومساءلة مرتكبي الانتهاكات.
- الوقاية من النزاعات وتعزيز وعي المجتمع عبر برامج تدريبية وتوعوية حول حقوق الطفل.
- التحقق المنهجي من أعمار الأطفال المتأثرين بالنزاعات لضمان حمايتهم قانونيًا وتقديم رعاية مناسبة.
- إخراج الأطفال من دوائر الصراع وإعادة دمجهم مجتمعيًا بشكل آمن، وإعادتهم إلى أسرهم وبيئاتهم الطبيعية.
- تقديم خدمات دعم شاملة تشمل الرعاية الصحية والنفسية والقانونية والاجتماعية للأطفال المتضررين.
أن خطة 2025 لا تستهدف حماية الأطفال فحسب، بل تسعى إلى كسر الحلقة المفرغة التي تربط بين النزاعات، وتهميش الأطفال، وإعادة إنتاج العنف. فالأطفال الذين يُحمَون اليوم هم مواطنو الغد، وأي إخفاق في حمايتهم يهدد بإدامة عدم الاستقرار. وتؤكد الحكومة الصومالية أن تنفيذ الخطة سيكون مستمرًا وخاضعًا للرقابة والمساءلة، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، وعلى رأسهم الأمم المتحدة، بما يسهم في ترسيخ العدالة الاجتماعية، وتعزيز الأمن، وبناء دولة قادرة على حماية أجيالها القادمة.
بهذا المعنى، تمثل خطة 2025 تحولًا استراتيجيًا في مسار الصومال، من إدارة آثار النزاعات إلى الاستثمار في الإنسان، بوصفه حجر الأساس لأي استقرار دائم ومستقبل أكثر أمنًا.

