مقديشو 14 جمادى الآخرة 1446 هـ الموافق 15 ديسمبر 2024 م (صونا) – عقدت وزارة الاتصالات والتكنولوجيا يوم أمس السبت، ندوة بمقرها في العاصمة مقديشو، وذلك في ضيافة مدير عام الوزارة مع عدد من الاكاديميين والباحثين والناشطين الوطنيين، بمشاركات من داخل الوطن وخارجه، حول أهميّة الرقمنة في العصر الحالي، تحت عنوان “إنقاذ لغتنا الأم، تراثنا الثقافي، والتاريخ الغني لوطننا”، وتمت مناقشة التحديات والمخاطر وما للرقمنة من دور حقيقي في حفظ وتسهيل وصول الأجهزة الحكومية والخبراء والمهتمين، للمنجزات والحقوق الثقافية للإنسان الصومالي ولغته الأمّ.
وفي الخطاب الافتتاحي للندوة سلط مدير عام الوزارة السيد/ عبدالعزيز دُوَني إسحاق الضوء على أهميّة حماية اللغة والثقافة والتاريخ الصوماليين، في ظل العولمة والصراعات بالقول: ” إن مكانة لغتنا هي القلب من ثقافتنا، فهي التي تحمل حكاياتنا وحكمنا وقيم أجدادنا، أما تراثنا وتقاليدنا فهي الشاهد على صلابة شعبنا الصومالي وإبداعه، ورغم كل ذلك، يواجه كل من ثقافتنا وتراثنا مخاطر جسيمة، بسبب تعرّضنا لثقافات أخرى من خلال العولمة، وضعف العناية من جهتنا إضافة إلى النزاعات المحيطة بنا”.
وتولى إدارة الجلسة الأستاذ/ محمد أبوبكر إسماعيل، مدير البث والأقمار الصناعية، بمشاركة الأستاذ/ أبوبكر حسن معلّم رئيس قسم الشؤون الأكاديمية بالمعهد الوطني للاتصالات والتكنولوجيا بالوزارة، في حين أفعمت الندوة بمداخلات المجتمعين، إذ أعطى مدير قسم الثقافة في أكاديمية العلوم والثقافة والأدب البروفيسور محمد علمي “توحو” نبذة مختصرة حول التاريخ الصومالي، تطرّق فيه إلى قدم المنجزات التاريخية للإنسان الصومالي على أرضه وما حولها، مؤكّدًا أنّ مرحلة الانحدار الحالية فترة يسيرة ضمن تاريخ زاخر بالثقة بالنفس والإحترام من قبل شعوب قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا.
وألقى الباحث والإعلامي/ محمود محمد حسن المهتم بشؤون القواميس اللغوية الصومالية، نبذة حول أهميّة الرقمنة وطرق الإستفادة منها في حفظ وتوفير المواد التاريخية والثقافية، بما فيه ثمار شديدة الإيجابية على الشعب الصومالي، متحدثًا عن إمكانيات الجهات المعنيّة باللغة والثقافة الصوماليتين والتقنيات المرتبطة بحفظهما ونشرهما، خلق نظم لأرشفة وتسجيل وبثّ تلك المواد عبر الشبكة العالمية، وكذلك توفير برامج ترجمة بالاستفادة من البيانات المتوفّرة لدى مؤلفي القواميس، وبالتعاون مع الأكاديميات الوطنية، لتسخير كل ذلك في خدمة أبناء الشعب الصومالي، وزيادة إمكانية وصولهم للمعلومات والعلوم بخصوص وطنهم وشعبهم أولاً، وكذلك ما يتجاوب مع اهتمامتهم من علوم وفنون وحرف، وضرب مثالًا حول إمكانية ذلك بالتجربة السويدية في موسوعة “وكيبيديا” وإمكانية تطبيق تلك التجربة على مدى أوسع بما يستجيب لاحتياجات واقعنا”.
وتحدثّ الباحث التاريخي/ آردون شيخ إبراهيم المخاطر التي تواجه تراثنا داخل البلاد وخارجها، مسلّطًا الضوء على أهميّة تسجيل الحقائق والآثار ذات الخصوصية التاريخية داخل وخارج البلاد، ونشرها وتعميم المعرفة بها عبر الشبكة الدولية، مشيرًا إلى ضرورة الالتفات إلى ما تتعرّض له مقامات وأضرحة شخصيّات صومالية في جمهورية مصر العربية كضريحي العالمين فخر الدين الزيلعي وعبدالرحمن الجبرتي وملحقاتهما ومخطوطهما فيها، والمهدّدين بالهدم والإزالة بعد عقود من الإهمال، كما أشار لما تقوم به بعض المتاحف من تشويه للتاريخ الصومالي نظرًا لشعورها بعدم وجود من يتابعها، وضرورة إشعار الجهات الحكومية المخوّلة بالتصرّف لحماية ما يمكن حمايته”.
وقدّمت الأستاذة/ بشرى علي نادر من اتحاد للصحفيات الصوماليات نادر ملاحظات حول أهميّة تعميم المعرفة بجذور وتاريخ اللغة الصومالية، من خلال توفّر المواد التاريخية الموثوقة عبر الوسائل الرقمية، ما يسهّل عمل الباحثين والإعلاميين غير المتخصّصين، وهو ما أكّدته الصحفية سلمى حسن عبدالله، معتبرة أنّ قلّة المتوفّر من المعلومات إلكترونيًا، يجعل من السّهل على بعض سيئي النيّة حتّى التشكيك بوجود الشعب الصومالي جملة وتفصيلًا، ولقيت مداخلتا الأستاذتين استحسان المشاركين، وبثّت المزيد من الطّاقة في الطّرح.
وكما طرح الناشط والكاتب في مجال التاريخ أ. أحمد سمير صُلُب مدير منصة Himilo TV، أنّ المجتمع الصومالي يواجه مخاطر كبيرة، بخصوص ضعف أو غياب مناهج التاريخ، نظرًا لقلّة المتوفّر من المواد وصعوبة الوصول إليها، ضاربًا الأمثلة حول مدى قلّة ما يتم تقديمه للطلبة في المدارس الحكومية والأهلية والخاصة، بما يجعل أجيالًا كاملة ليس فقط تجهل تاريخها والأفراد العظماء من رجال ونساء من أسلافهم، والأرض التي سادها آباؤهم، ومكانتهم بين الشعوب، بل أصبحت هنالك أجيال تتقبّل نسبة معظم أفرادها النوابغ لشعوب وأقوام أخرى، واعتبر “صُلُب” ذلك طريقًا نحو الانقراض الماديّ لشعبنا يتلو التراجع المعنوي والفكري، واعتبر أن جهود الرقمنة ستتيح توفر تلك المواد إلى حين صدور المناهج التي تؤدي ذلك الدّور”.
وألقى مستشار وزير الزراعة والري الأستاذ/ عبدالناصر عمر عثمان، نبذة عن المحاصيل والنباتات الخاصّة والنادرة التي تستوطن وطننا، وجهود الحفاظ عليها وتسجيلها، كما أعلم الحضور بقرب الانتهاء من مراحل افتتاح قسم للمواصفات في وزارته، مشيرًا إلى أنّ جزءًا أساسيًا من اكتمال جهود الوزارة في الحفاظ على الغطاء النباتي وتنوعه في البلاد يكمن في النجاح في جمع البيانات وتخزينها رقميًا، وكذلك التمكّن من مشاركتها مع بقية أجهزة الدولة والباحثين والمهتمين، ليمكن تحقيق الاستفادة القصوى من موارد البلاد، وكذلك إنجاز برامج حماية الأنواع والأصناف النادرة والمهدّدة أو الخاصة بشعبنا، كما أفاد بأهميّة إبراز الجانب الثقافي من أنشطة الزراعة والأنشطة الحراجية وإبراز خصوصيّات أرضنا وبيئتنا وشعبنا، لتكون وسيلة للتميّز وكذلك الوحدة بين أبناء شعبنا.
وفي الختام شكر الأستاذ/ محمد أبوبكر إسماعيل المشاركين في المؤتمر بالنيابة عن وزارة الاتصالات والتكنولوجيا، مثمنًا مداخلاتهم، ومصرًا على أهميّة أخذ كل ما تم تقديمه بجديّة والتحرّك نحو تطبيقه، ومتعهدًا بأن لا تكون هذه الندوة هي الأخيرة، وأنه والوزراة سيبذلون الجهد لتوسيع المشاركة في الندوة التالية، لتشمل ممثلين عن كلّ الوزارات والأجهزة المعنية في هذا الشأن.