بداية الأزمة الدبلوماسية:
في مطلع عام 2024، أشعلت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا و”أرض الصومال” أزمة دبلوماسية حادة بين الصومال وإثيوبيا، تضمنت المذكرة بنودًا تتيح لإثيوبيا ( الحبيسة) استخدام موانئ جمهورية الصومال الفيدرالية الواقعة تحت إدارة إقليم أرض الصومال كمنفذ بحري، وهو ما اعتبرته مقديشو انتهاكًا لسيادتها وسلامة أراضيها. حكومة الصومال ترى أن “أرض الصومال” جزء لا يتجزأ من أراضيها، وبالتالي فإن أي اتفاق يُبرم مع هذا الإقليم دون موافقة الحكومة الفيدرالية يعد باطلًا ومخالفًا للقوانين الدولية.
إجراءات الدبلوماسية الصومالية لإفشال الاتفاق
- على المستوى الداخلي:
سارع الصومال إلى تحشيد الرأي العام الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية ضد الاتفاق، مؤكدًا أنه تهديد مباشر لوحدته الوطنية وسلامة أراضيه، وقدأصدرت الحكومة الصومالية الفيدرالية بيانات سياسية قوية شديدة اللهجة ، تدين الاتفاق، مشيرة إلى أنه انتهاك صارخ للأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي.
- على المستوى الإقليمي:
لجأت الحكومة الصومالية الفيدرالية إلى الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) لإدانة الاتفاق، حيث أكدت أن مذكرة التفاهم تخل بالتوازن الإقليمي وتزيد التوترات في القرن الإفريقي، موضحة أن الاتفاق يهدد وحدة أراضيها ويشكل سابقة خطيرة في العلاقات الإفريقية.
- على المستوى الدولي:
طرحت الصومال القضية أمام الأمم المتحدة، وقدمت شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، مطالبة بتدخل دولي لحماية سيادتها ووقف التدخلات الإثيوبية.
استفادت دبلوماسية الصومال تأييد دول عربية وإسلامية، مثل قطر والسعودية ومصروتركيا، لدعم موقفها دوليًا، ونجحت في إقناع و كسب دعم أغلب الدول الكبرى المؤثرة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، بموقفها، مما أدى إلى إدانة دولية واسعة للاتفاق الإثيوبي.
ردود المجتمع الدولي والإقليمي:
أبدت الأمم المتحدة ودول غربية قلقها من الاتفاق واعتبرته تهديدًا للاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.
وفي بيان رسمي، أعربت جامعة الدول العربية عن رفضها وإدانتها لمذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإقليم “أرض الصومال”، معتبرة أن الاتفاق يشكل انتهاكًا واضحًا لسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها. وأكد المستشار جمال رشدي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة، أن المذكرة تسعى لاستغلال الأوضاع الداخلية الهشة في الصومال واستمرار تعثر المفاوضات بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم.وأعلنت الجامعة تضامنها الكامل مع الحكومة الصومالية، التي اعتبرت الاتفاقية لاغية وغير مقبولة. كما حذرت الجامعة من خطورة هذه الخطوة على الأمن الإقليمي، بما في ذلك تعزيز انتشار الأفكار المتطرفة، في وقت تبذل فيه الحكومة الصومالية جهودًا كبيرة لمواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار.
ومن جانب آخر ،أعربت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي عن رفضها لأي اتفاقية تنتهك سيادة الصومال ووحدة أراضيه، مؤكدة احترام سيادة الدول الأعضاء ورفض التدخلات التي تمس سلامة الأراضي الصومالية، المنظمة جددت تضامنها مع الصومال ودعت إلى احترام القانون الدولي وميثاقها، مما يمثل دعماً دبلوماسياً قوياً لموقف الحكومة الصومال الفيدرالية في الأزمة.
تُعَدُّ ردود الفعل الدولية المستنكرة انتصارًا كبيرًا للدبلوماسية الصومالية في الدفاع عن سيادتها، وفي عزل إثيوبيا دبلوماسيًا من خلال كشف انتهاكاتها وسلوكها الأحادي وتعاملها مع “أرض الصومال” ككيان مستقل، مماكشف أديس أبابا عن حقيقتها كدولة معتدية، منتهكة للقانون والأعراف الدولية. وهذا التوجه يُظهر التزام الصومال بتوظيف الدبلوماسية متعددة الأطراف لزيادة الضغط الدولي على إثيوبيا والحد من تداعيات الاتفاقية المثيرة للجدل.
الوساطة التركية:
بعد إدراك رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، فداحة الخطأ الذي ارتكبه، طلب تدخل تركيا كوسيط. وكانت هناك جولتان من المفاوضات غير مباشرة عقدتا في تركيا بين الصومال وإثيوبيا على مستوى الوزرا الخارجية وانتهتا بالفشل بسبب تعنت إثيوبيا وإصرارها على موقفها الرافض للتراجع بشأن علاقاتها المشبوهة مع أرض الصومال،
وفي الجولة الثالثة استضاف فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس جمهورية تركيا، فخامة الرئيس حسن شيخ محمود، رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية وأبي أحمد علي، رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية في 11 ديسمبر 2024 في أنقرة.وقد سمح الاجتماع الذي عقد في جو ودي، بإجراء مناقشة صريحة وبناءة. وأكد زعيما الصومال وإثيوبيا احترامهما والتزامهما بسيادة كل منهما ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، فضلاً عن المبادئ المنصوص عليها في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي.
من أبرز بنود التفاهم:
1.احترام سيادة كلا الدولتين ووحدة وسلامة أراضيهما
- والعمل معاً بشكل وثيق لإتمام الترتيبات ذات طبيعة التجارية فقط بما يعود المنفعة المتبادلة ، تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية..
- واتفقا، في إطار روح الصداقة والاحترام المتبادل، على التخلي عن الخلافات والقضايا الخلافية والمضي قدماً بطريقة تعاونية لتحقيق الرخاء المشترك.
من المنتصرمن التفاهم؟
يُعتبر التفاهم نصرًا دبلوماسيًا للصومال، حيث نجحت بمايلي:
- إفشال الاتفاقية التي تهدد سيادته.
- تحقيق كامل سيادته وسلامة ووحدة أراضيه، وتجاوز الخلافات بما يحقق التوازن واحترام الحقوق المتبادلة في المنطقة.
- أكد الصومال موقفه الرافض بشكل قاطع لأي محاولات لإنشاء قواعد عسكرية إثيوبية على سواحله، حفاظاً على سيادته وسلامة حدوده الإقليمية.
- إلزام إثيوبيا بالإمتثال للقوانين الدولية والإقليمية المعنية وفقًا للأعراف الدولية.
- “تعزيز مكانة الصومال كدولة مؤثرة في الإقليم.
من المهزوم من التفاهم؟
إثيوبيا رغم أنها قُدمت كطرف مهزوم ومتراجع عن طموحاته العدوانية، إلا أن التفاهم يتيح لها تحسين علاقاتها مع الصومال واستعادة صورتها أمام المجتمع الدولي.
استفادت تركيا بتعزيز دورها كوسيط إقليمي، مما يدعم نفوذها في القرن الإفريقي.
التحديات أمام التفاهم:
هناك تخوفات من أن إثيوبيا قد تعود لتكرار سياساتها السابقة،وعدم التزامها بالاتفاق
استمرار مطالب إقليم أرض الصومال بالاعتراف الدولي ربمايعقد الوضع مما يسبب مزيدًا من التوترات.
التحديات الأمنية:الصومال وإثيوبيا بحاجة لتعاون وثيق لمواجهة التهديدات المشتركة، مثل الإرهاب والإنفصال.
التوقعات إذا نجح أو فشل التفاهم:
النجاح:قد يؤدي إلى استقرار نسبي في القرن الإفريقي، وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني.يُمكن أن يصبح التفاهم نموذجًا لحل النزاعات الإقليمية.
الفشل:سيؤدي إلى عودة التوترات وربما تصعيد عسكري بين البلدين، وسيؤثر سلبًا على الاستقرار الإقليمي، مما قد يعزز نفوذ الأطراف الخارجية.
الخلاصة:
الدبلوماسية الصومالية المنتصرة” ليست مجرد عنوان، بل حقيقة جسدتها تحركات الحكومة الصومال الفيدرالية لإفشال مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال. بفضل الله ثم بفضل قيادة فخامة الرئيس الدكتور حسن شيخ محمود الحكيمة والتخطيط الاستراتيجي والعمل الدؤوب، نجح الصومال في الحفاظ على سيادته وكشف انتهاكات إثيوبيا، مما أعاد صياغة المعادلات السياسية في القرن الإفريقي.
الكاتب: عبدالقادر علي معلم عبدلله (باحث ومحلل في شؤون القرن الإفريقي)