مقديشو 08 رجب 1446 هـ الموافق 8 يناير 2025 م (صونا) – إن العلاقات بين الشعوب تتأسس على أسس من التعاون والتفاهم المتبادل، ولا شك أن علاقة الشعبين الصومالي والجيبوتي تمثل نموذجًا حيًا لهذا التعاون الذي يتجاوز حدود الجغرافيا إلى أبعاد أخوية عميقة. في هذا المقال، أتناول تجربتي الشخصية في زيارة جيبوتي في 26 ديسمبر 2024، وهي الزيارة التي جاءت استجابة لدعوة رسمية من رئيس البرلمان الجيبوتي السيد دليتا محمد دليتا. وعلى الرغم من أن هذه الزيارة كانت الأولى لي إلى جيبوتي، إلا أنني لم أكن غريبًا عنها، فالعلاقات التاريخية بيننا كانت دومًا حاضرة في ذهني.
جيبوتي: الرابط التاريخي ووقوفها المستمر إلى جانب الصومال
جيبوتي، البلد الذي يُعتبر بوابة هامة على البحر الأحمر، كان ولا يزال ذا دور محوري في المنطقة واستقرار الصومال. ففي عام 2000، كانت جيبوتي حاضنة لمؤتمر المصالحة الصومالية، الذي أسهم بشكل كبير في إعادة بناء الدولة الصومالية بعد سنوات من النزاع. وكان لهذا المؤتمر، الذي شهد انتخاب الرئيس عبد القاسم صلاد حسن، الأثر الكبير في توجيه مستقبل الصومال، حيث قدمت جيبوتي نموذجًا يُحتذى به في الدعم السياسي والإنساني، وأظهرت التزامها الثابت تجاه الصومال وشعبه.
كنت أتابع وقائع المؤتمر بشغف يوميًا عبر شاشة التلفاز، حيث كانت قلوب الصوماليين جميعًا مرتبطة بجيبوتي وبأشقائنا هناك. وكنت واحدًا من هؤلاء الذين استلهموا الأمل والطموح من دور جيبوتي في إعادة بناء دولتنا.
لقد غرس في نفسي هذا الارتباط العميق مع الحكومة والشعب الجيبوتي شعورًا خاصًا دفعني للانخراط تدريجيًا في المجال السياسي. وعندما عاد الرئيس عبد القاسم صلاد حسن إلى مقديشو، كنت من ضمن الجماهير التي استقبلته بحفاوة كبيرة.
جيبوتي لم تكن فقط حاضنة مؤتمر عام 2000، بل استمرت في لعب دور مهم في دعم الصومال، بما في ذلك مؤتمر المصالحة عام 2009 الذي انتُخب خلاله الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد.
الزيارة: الاستقبال والكرم الجيبوتي
وصلت إلى مطار جيبوتي في 26 ديسمبر 2024، حيث كان في استقبالي عدد من المسؤولين، بما فيهم نواب وسفراء تربطني بهم علاقات طويلة. تم استقبالي بحفاوة كبيرة، ثم تم اصطحابي إلى مقر إقامتي الذي كان مجهزًا لاستقبالي بشكل يعكس مدى الاهتمام والتقدير الذي يكنه الشعب الجيبوتي للشعب الصومالي. بدأ اليوم الأول بعدة مواعيد مع مسؤولين رفيعي المستوى، شملت اجتماعات مع أعضاء البرلمان الجيبوتي ورحلات استطلاعية للتعرف على معالم تاريخية وثقافية مهمة.
جلست بجانب رئيس البرلمان الجيبوتي خلال الرحلة، ووجدته شخصية ودودة تتميز بروح الدعابة والتواضع، فضلاً عن كونه دبلوماسيًا ذا خبرة. استمتعت كثيرًا بحديثه لدرجة أنني لم أشعر بالوقت، إذ استغرقت الرحلة نحو ساعة.
من أبرز المحطات في الزيارة كانت إلى “قرية عرتا”، المكان الذي شهد مؤتمر المصالحة في عام 2000، حيث وقفت أمام نصب تذكاري يخلد تلك اللحظات التاريخية التي أسهمت في إعادة بناء الصومال. كانت تلك اللحظات محورية بالنسبة لي، حيث استرجعت الذكريات العميقة عن دور جيبوتي في دعمنا في أحلك الظروف.
عقب الجولة، تم تنظيم حفل استقبال، حيث تم تزيين المكان بالورود، وقدم الفنانون عروضًا غنائية. في نهاية الحفل، قدموا لي باقة زهور عطرة، قبل أن ننتقل إلى قاعة مخصصة لوجبة الغداء، والتي كانت مُجهزة بشكل فاخر ومميز.
بعد تناول مجموعة متنوعة من الأطباق والمأكولات الشهية، فوجئت بإحضار قالب كيك كبير مزين بصورة لي وأنا مرتدٍ علم الصومال، ومكتوب عليه عبارة “مرحبًا بك في عرتا”. وقيل لي إنني سأقطع الكعكة بمشاركة رئيس البرلمان وجميع المسؤولين الحاضرين.
تلا ذلك الزيارة التاريخية إلى مقر البرلمان الجيبوتي، وهو مبنى كبير وحديث تم تصميمه وبناؤه بطريقة عصرية ومميزة. وصلنا إلى هناك حوالي الساعة الحادية عشرة صباحًا، وكان في استقبالنا على الفور رئيس البرلمان السيد دليتا محمد دليتا، ونائبته السيدة صفية، وعدد من النواب.
جيبوتي: نموذج للأمن والاستقرار
ما لفت انتباهي في هذه الزيارة هو مستوى الأمن والاستقرار الذي تتمتع به جيبوتي، وهي نعمة من الله تعالى أنعم بها على هذا البلد بفضل حكمة قيادته. أثناء تنقلنا في العاصمة، توقفت السيارات فجأة، ولاحظت وجود سيارة واحدة فقط في المقدمة وأخرى في المؤخرة، مع انسيابية عالية في حركة المرور. وعندما استفسرت عن هذه السيارات، قيل لي إنها كانت قافلة الرئيس إسماعيل عمر غيلي. كانت تلك اللحظة تجسيدًا عمليًا للحكمة السياسية والعدالة التي تحكم جيبوتي، وهو ما يضمن الاستقرار والأمان لجميع مواطنيها
في الختام، أود أن أتوجه بأسمى آيات الشكر والامتنان إلى القيادة الجيبوتية، على رأسهم فخامة الرئيس إسماعيل عمر غيلي، ورئيس البرلمان السيد دليتا محمد دليتا. كما لا يسعني إلا أن أتوجه بشكر خاص لسفراء جيبوتي في الدول العربية، وسفيرنا لدى جيبوتي سعادة السفير صلاد علي جيلي. كما أخص بالشكر الجزيل للسائق الخاص، عمّو رشيد، الذي أظهر تفانيًا والتزامًا خلال فترة إقامتي في جيبوتي، وكان مثالًا للجدية والاحتراف وقدّم لي خدمة لا تقدر بثمن.
بقلم سعادة السفير محمد شيخ إسحاق، سفير الصومال لدى جنوب إفريقيا