العودة إلى إرادة الشعب، تعني السماح لهم بتحديد مصيرهم السياسي من خلال صناديق الاقتراع، ومن خلال الانتخابات النزيهة والحرة، وتُعتبر من أهم ركائز بناء دولة مستقرة ومزدهرة. هذه العودة ليست مجرد إجراء سياسي، بل هي نهج يُعزز العلاقة بين الدولة ومواطنيها ويضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، الاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي توفر منصة لتحديد الأولويات الوطنية في الصومال، حيث تسود تحديات معقدة مثل الإرهاب والنزاعات القبلية، فيما يلي تفاصيل أعمق حول أهمية العودة إلى إرادة الشعب:
اولا: تحقيق الشرعية السياسية:
تعني الشرعية السياسية أن الحكومة تتمتع بدعم واسع من الشعب، وهو ما يُمكنها من تنفيذ سياساتها دون مقاومة كبيرة.
الشرعية المحلية والدولية:
يشعر المواطنون بأن القيادة تمثلهم وتعبر عن مصالحهم، مما يقلل من احتمالية اندلاع الاحتجاجات أو التمرد على السلطة. وعلى الصعيد الدولي تحظى الحكومات المنتخبة بدعم المجتمع الدولي، وبمزيد من التقدير والإحترام من مثيلاتها في العالم ، مما يعزز فرصها في الحصول على الدعم الدولي و تقوية علاقاتها الخارجية.
ثانيا: تقوية الوحدة الوطنية و تقليل الصراعات.
تُعد الانتخابات وسيلة لاختيار الشعب على قيادته، بغض النظر عن خلفياتهم القبلية أو المناطقية؛ حيث توفر العملية الانتخابية المباشرة فرصة سلمية للتنافس على السلطة، بدلاً من اللجوء إلى اختيار نقباء العشائر واختطاف رغبة الشعب وحرمان المواطن بحقه الأصلي في أن ينتخب وينتخب.
تعزيز الهوية الوطنية:
تعزز الانتخابات الهوية الوطنية؛ حيث يشعر المواطنون بالإنتماء إلى دولتهم وقيمة أصواتهم وتمنحهم دورًا مهما في تحديد مستقبل بلادهم ومن يقودهم .
ثالثا: إرساء قواعد الحكم الرشيد:
عندما يكون المسؤولون المنتخبون مدِينين للشعب الذي اختارهم، يصبح القادة أكثر التزامًا بخدمتهم، مما يعزز الشفافية والمساءلة، لرد جزء من الجميل لمن أسدى المعروف إليهم.
محاسبة المسؤولين و الحد من الفساد:
الانتخابات الدورية تسمح للمواطنين بمساءلة القيادات الفاسدة أو غير الكفؤة عبر صناديق الاقتراع لتواجه الحكومات المنتخبة ضغوطًا أكثرعلى الالتزام بالشفافية خوفًا من فقدان شعبيتها.
رابعا: تعزيز الاستقرار السياسي:
العودة إلى إرادة الشعب تساعد على تقليل الاضطرابات السياسية من خلال ضمان انتقال للسلطة بشكل سلمي وسلس.
تحقيق الاستمرارية وتجنب الفراغ السياسي:
الانتخابات المنتظمة تمنع الانقلابات والصراعات على السلطة.وأن القيادة التي تأتي عبر الانتخابات تكون لديها رؤية طويلة الأمد تتسم بالتخطيط وتسهم في الاستقرار.
خامسا: تعزيز التنمية الاقتصادية:
يعد الاستقرار السياسي الناتج عن العودة إلى إرادة الشعب، بيئة مواتية للتنمية الاقتصادية المستدامة وتفادي اهتزاز ثقة دافعي الضرالب والمستثمرين والمانحين.
جذب الاستثمارات و تحسين إدارة الموارد:
الحكومات المنتخبة أكثر قدرة على إقناع المستثمرين المحليين والدوليين ببيئة مستقرة وآمنة.
ومشاركة الشعب تضمن توجيه الموارد لتحقيق التنمية الشاملة بدلًا من تركزها بيد فئة قليلة.
سادسا: تعزيز التماسك الاجتماعي:
إشراك الجميع في صنع القرار السياسي يُقلل من الشعور بالتهميش ويعزز التماسك بين مختلف مكونات المجتمع.
إعطاء صوت للمهمشين و إحياء روح المسؤولية الجماعية
الانتخابات تُوفر منصة للأقليات والمناطق النائية للمطالبة بحقوقهم والمشاركة في صنع القرار. ويشعر المواطنون أنهم جزء من الحل وليسوا مجرد متلقّين للقرارات.
سابعا: نشر ثقافة المساواة في الحقوق والواجبات:
العودة إلى إرادة الشعب تُعزز من وعي المجتمع بأهمية المشاركة السياسية، ومساواة المواطنين في الحقوق والواجبات وبناء ثقافة التقبّل عن آخر، والقيم السياسية المبنية على تقبّل النتيجة.
تعليم الأجيال القادمة في الثقافة السياسية
تسهم المشاركة الانتخابية في غرس قيم الحرية والمسؤولية لدى الأجيال الناشئة، ويقال أن وسبعين في المأية من الشعب الصومالي من الفئة العمرية الناشئة، مما يشجع الناشئة على المساركة في العملية الانتخابية،والمؤسسات المنتخبة تُصبح أكثر استقلالية وقوة، مما يعزز مبادئ العدالة الإجتماعية كممارسة دائمة.
الأمثلة والشواهد من دول استفادت من العودة إلى إرادة الشعب
- جنوب أفريقيا: نموذج المصالحة والاستقرار:
في عام 1994، بعد عقود من التمييز العنصري، أجرت جنوب أفريقيا أول انتخابات ديمقراطية شاملة، حيث شارك جميع المواطنين، بغض النظر عن العرق.
النتائج: انتخاب نيلسون مانديلا كأول رئيس منتخب ديمقراطيًا.
تأسيس نظام ديمقراطي عزز الوحدة الوطنية وساهم في تحقيق الاستقرار السياسي.
أصبحت جنوب أفريقيا نموذجًا عالميًا للتحول السلمي من نظام قمعي إلى ديمقراطية شاملة.
- تونس: التحول الديمقراطي بعد الثورة: بعد الإطاحة بالنظام السابق في عام 2011، نظمت تونس انتخابات حرة لاختيار جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد.
النتائج: صياغة دستور ديمقراطي في عام 2014 يضمن حقوق المواطنين.
انتقال سلس للسلطة من خلال انتخابات متعددة الأحزاب. تونس أصبحت نموذجًا للانتقال الديمقراطي الناجح في العالم العربي.
- ليبيريا: تجاوزت الحروب الأهلية بالانتخابات:
بعد سنوات من الحروب الأهلية المدمرة، أجرت ليبيريا انتخابات ديمقراطية في عام 2005، والتي أوصلت إلين جونسون سيرليف إلى الرئاسة كأول امرأة تُنتخب رئيسة في أفريقيا.
النتائج:استعادة السلام والاستقرار السياسي.
تعزيز جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
تحسن علاقات ليبيريا مع المجتمع الدولي.
- رواندا بعد الحرب الأهلية.
تمكين الشعب من المشاركة:
الانتقال من الحرب الأهلية إلى الاستقرار تضمن إشراك الشعب في اتخاذ القرارات من خلال انتخابات حرة ونزيهة تعزز شرعية الحكومة.
التوجه نحو المستقبل:
رواندا ركزت على رؤية تنموية للمستقبل بدلًا من البقاء عالقة في ماضي الصراعات، مما جعلها نموذجًا يُحتذى به للدول التي تعاني من الانقسامات.
ربط التجربة بالوضع الصومالي:
الصومال يمكنه الاستفادة من تجربة رواندا من خلال التركيز على المصالحة بين القبائل والجماعات المختلفة.
وضع خطة تنموية شاملة تتجاوز النزاعات التاريخية وتُعزز من التعليم والاقتصاد.
التأسيس لنظام انتخابي شفاف يضمن مشاركة كافة الأطراف، بحيث يكون الانتخاب وسيلة لإعادة بناء الثقة. من المهم أن تكون العودة إلى خيار الشعب الصومالي عملية مبنية على الشفافية، العدالة، والتعاون بين مختلف الأطراف، مع الاستفادة من تجارب ناجحة مشابهة مثل رواندا.
العوامل المشتركة في نجاح هذه الدول:
الدول التي نجحت في تحقيق الاستقرار عبر العودة إلى إرادة الشعب تشترك في عدة عوامل، منها:الالتزام بعملية انتقالية شاملة، تشمل جميع الأطراف السياسية والاجتماعية.
وجود دعم دولي: تقديم المساعدات المالية والفنية لضمان نجاح العملية الانتخابية.
إشراك المجتمع المدني، لضمان نزاهة الانتخابات وتعزيز الثقة بها.
دروس مستفادة للدول الأخرى:
التخطيط المسبق والإعداد الجيد لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
بناء مؤسسات قوية قادرة على إدارة الانتخابات بشكل مستقل وشفاف.
إشراك جميع الفئات لضمان تمثيل النساء والشباب والأقليات في العملية الانتخابية.
الكاتب: عبدالقادر علي معلم عبدلله (باحث ومحلل في شؤون القرن الإفريقي)