مقديشو 24 ذو الحجة 1446 هـ الموافق20 يونيو 2025 م (صونا) –تعتبر اللغة العربية جزءاً أساسياً من هوية الشعب الصومالي وثقافته الدينية والحضارية. فهي ليست فقط وعاء للتواصل والنقاش، بل هي أيضاً جسر يصل الأجيال بتراث الأجداد ويعبر بهم إلى آفاقٍ علميةٍ ومعرفيةٍ واسعة.
ومع ذلك، تشهد هذه اللغة في الأوساط الطلابية بالصومال ضعفاً ملحوظاً في التحصيل اللغوي، على الرغم من الأهمية التي تمتّع بها على مدار العصور.
ينبع هذا الضعف من أسبابٍ مختلفةٍ تتعلق بأساليب التدريس، والبرامج التعليمية، والظروف الأسرية والنطاق الثقافي التي نشأت ضمنه الأجيال الحالية.
ويؤثر تدني التحصيل اللغوي على قدرات الطلاب على التعلّم، ويحدّ من قدرتهم على التواصل والتحليل والنقد.
في هذا المقال، نستعرض أسباب ضعف مهارات العربية في الأوساط الطلابية بالصومال، والحلول التي يمكن أن تسهم في معالجة هذه المشكلة والنهوض بهذا القطاع المعرفي الحسّاس.
إن اللغة العربية، بوصفها لغة التراث الديني والقومي والحضاري والثقافي للأمة الاسلامية والصومالية، ركيزة أساسية لتعليم الدين الاسلامي. فمن أراد أن يتعلم الدين الاسلامي، عليه أن يتمكّن منها.
ولذا، فإن إتقان اللغة العربية — سواء بالاستماع أو التحدث أو القراءة أو الكتابة — أمرٌ ضروريٌ للتقدم الحضاري، والابداع الفكري، والتماسك الثقافي والحضاري للأمة الصومالية.
(ضعف مهارات اللغة العربية لدى الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة)
يكمن الضعف في مهارات اللغة العربية لدى الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة، خاصة في الاستماع والقراءة والكلام والكتابة.
ويعود ذلك إلى عدَّة عوامل، منها: تفكك تراكيب الكلمات وعدم وضوح المصطلحات، صعوبة فهم النصوص العربية، التعبير الخاطئ والغامض عن الأفكار، بالإضافة إلى ترجمة المفاهيم إلى سياقات غير مناسبة.
وأما ضعف مهارات القراءة على وجه الخصوص فيعود إلى عدَّة عوامل أخرى، منها: عدم ملائمة الكتب المدرسية لمستويات الطلاب، واستخدام طرق تدريس غير فعّالة، والنقص في الموارد التعليمية التي تساعد على تنمية هذه المهارات.
(ضعف مهارات اللغة العربية لدى الطالب الجامعي)
يشهد التعليم الجامعي في الصومال ضعفاً ملحوظاً في مستوى الطلاب في اللغة العربية.
حيث يلتحق الطلاب بالجامعة بعد إنهائهم المرحلة الثانوية، ومع ذلك يظهر ضعفٌ في قدراتهم اللغوية الأصلية.
ويعود ذلك إلى عدَّة أسباب، منها:
الإهمال في المراحل السابقة: حيث تُعتبر اللغة العربية مادة ثانوية عند كثيرٍ من الطلاب، ولا يبذلون الجهد الكافي لدراستها.
سوء المناهج الدراسية: في بعض المدارس، لا تُعطى اللغة العربية الأهمية التي تستحقّها، وقد يتمّ التدريس بلغة أخرى غير العربية.
قلة الأنشطة والتحفيز: بسبب غياب أنشطة لغوية وحوافز تشجع الطلاب على تنمية قدراتهم اللغوية.
عدم متابعة الأسر: بسبب ضعف اهتمام الأسر بتحصيل أبنائها الدراسي ومتابعة تطورهم اللغوي.
يعاني الطلاب بسبب هذه العوامل من صعوبة في فهم القواعد النحوية، وتكوين جملٍ صحيحة، وتأليف نصوصٍ سليمة. على الرغم من الجهود التي يبذلها المدرّسون، إلا أنَّ المستوى اللغوي يظلّ دون التوقعات.
(حلول مقترحة)
إنّ معالجة هذه المشكلة تتطلب تعاون عدَّة جهات:
وزارة التربية والتعليم: بتطوير المناهج الدراسية وتوفير الكتب والموارد التعليمية اللازمة.
المؤسسات التعليمية: بتنظيم أنشطة لغوية مختلفة وتحفيز الطلاب على المشاركة فيها.
الأسر: بدعم أبنائها وتشجيعهم على مواصلة تعلم اللغة العربية وتطوير قدراتهم اللغوية.
بذلك، يمكن أن ننهض بمستويات الطلاب في اللغة العربية، وأن نعزّز مكانة لغتنا العريقة.
كما يجب اتخاذ إجراءات جادة للتغلب على الأسباب الرئيسية التي تؤثر على التحصيل اللغوي، مثل طول المناهج التي تستنزف جهد المعلم ووقته، دون أن يتمّ التركيز على الفروق الفردية بين الطلاب وتوفير التعليم الملائم لكلٍّ على حِدَتِه.
( خاتمة)
إنّ معالجة ضعف مهارات العربية في الأوساط الطلابية بالصومال مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الجهات التربوية والأكاديمية والأسرية على حدٍّ سواء.
ويقتضِي هذا التكاتف مراجعة المناهج الدراسية، وتوفير الموارد التعليمية الحديثة، وتوفير الدعم اللغوي والنفسي للتلميذ والطالب على مدار مراحل دراسته.
كما يستدعي خلق بيئةٍ لغويةٍ محفّزةٍ على استخدام العربية في البيت والمدرسة والجامعة، وتوفير أنشطةٍ ثقافيةٍ تساعد على تنمية قدرات الطلاب اللغوية والنحوية.
بهذا التكامل في الأدوار، نستطيع أن نعبر بعربية الأجيال القادمة إلى برّ الأمان، لتسهم في بناء شخصيةٍ قويةٍ ومجتمعٍ مثقّفٍ قادرٍ على مواكبة التحدّيات المعرفية في العصر الحديث.
الدكتور حسن علي معو
كاتب وباحث صومالي و مهتم بشؤون التعليم والمجتمع
كاتب وباحث صومالي و مهتم بشؤون التعليم والمجتمع