مقديشو 03 محرم 1447 هـ الموافق28 يونيو 2025 م (صونا) – في تاريخ الأمم، تُصنع التحولات الكبرى على أيدي الشباب أصحاب الهمم العالية، الذين يؤمنون بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الوطن لا يُبنى بالتمنّي، بل بالتضحية والعمل والفكر. هذا ما فعله شباب الصومال في خمسينيات القرن الماضي، حين واجهوا الاستعمار البريطاني والإيطالي بصدور عارية، وعقول ناضجة، وعزيمة لا تلين.
واليوم، يواجه الوطن تحديات أخطر من الاستعمار: الغلو، والتطرف، والتفكك، والتضليل. فما أشد حاجة البلاد إلى جيل جديد يحرر الإنسان بعد أن حرر الأجداد الأرض.
أولًا: شباب الاستقلال… إرادةٌ هزمت الاستعمار
حين قُسِّم الصومال خلال الحقبة الاستعمارية إلى خمسة أجزاء، وهو ما يُجسّده النجم الخماسي في العلم الوطني، كانت البلاد تقع تحت استعمار بريطاني في الشمال، وإيطالي في الجنوب، إلى جانب الاحتلال الفرنسي في الغرب، وضم أجزاء إلى كينيا وإثيوبيا. لم يكن من السهل الحديث عن وحدة وطن أو هوية جامعة، لكن الشباب الصومالي — وعلى رأسهم رجال رابطة الشبيبة الصومالية (SYL) — رفضوا الواقع المفروض، وقرروا صناعة التاريخ.
كانت همّتهم أعلى من القيود، وهممهم أنقى من المكاسب القبلية أو المصالح الشخصية. فأسسوا تنظيمات سياسية، وواجهوا أجهزة الاستعمار، وربطوا بين شمال الوطن وجنوبه، حتى تحقق الاستقلال المجيد في 1 يوليو 1960.
ملامح هذه الهمّة التاريخية:
تبنّي خطاب وطني جامع يعلو على الانتماءات الضيقة.
إنشاء أحزاب وطنية تمثّل الشعب لا القبائل.
تصميم على الوحدة السياسية رغم اختلاف النفوذ الاستعماري.
مقاومة مستمرة بالتعبئة الشعبية، والإعلام، والوعي المدني.
لقد أثبتوا للعالم أن الإرادة الواعية أقوى من الجيوش المدججة بالسلاح، وأن الشباب إذا اجتمع على كلمة، استطاع أن يحرّر وطنًا بأكمله.
ثانيًا: الوطن اليوم في قبضة استعمار من نوع آخر
اليوم، لم يعد الغزو أجنبيًا في صورته، لكنه أشد فتكًا في جوهره:
تطرف ديني يغسل عقول الشباب باسم الشريعة.
غلو فكري يجرّ البلاد إلى هاوية التكفير والاقتتال.
إشاعات إعلامية تمزق الصف الوطني وتشوه رموز الدولة.
قبلية متعصبة تعطل مؤسسات الدولة وتمنع قيام المشروع الوطني.
هذا الواقع هو استعمار من الداخل، يفتك بالإنسان قبل الجغرافيا، ويزرع الكراهية بدل الوحدة، والتكفير بدل البناء، والفرقة بدل الدولة.
ثالثًا: دعوة لبعث هِمّة الشباب من جديد
الصومال اليوم لا ينقصه عدد الشباب، بل ينقصه شباب بمستوى التحدي والرسالة.
لقد حرر الآباء الأرض، فعلى الأبناء أن يحرروا العقل والإنسان.
المطلوب من شباب اليوم:
- العودة إلى المشروع الوطني الجامع الذي تتجاوز فيه القبيلة والانتماء الضيق.
- محاربة الغلو بالفكر الصحيح، والانخراط في المنهج الديني المعتدل.
- التصدي للإشاعات والتضليل الإعلامي، وبناء وعي رقمي ووطني متماسك.
- المشاركة الفاعلة في بناء الدولة، لا الاكتفاء بالنقد أو التفرج.
- الاعتزاز بتاريخ النضال، واستلهام روح SYL كقدوة عملية لا مجرد ذكرى.
ختاما: المعركة اليوم هي معركة هوية ووعي
لم يكن جيل الاستقلال يملك إمكانيات كثيرة، لكنه امتلك العزيمة، والرؤية، والنزاهة الوطنية.
واليوم، نحن بحاجة إلى شباب يشبهونهم في الإخلاص، ويختلفون عنهم في الوسائل، لأن المعركة الآن ليست فقط مع بندقية، بل مع فكرة مدمّرة، وذهنية مغلقة، وخطاب يحرق الوطن والمجتمع والحكومة معا باسم الدين.
التحرير لم ينتهِ في 1960، بل بدأ هناك ويكتمل بتحرير الإنسان من الجهل، والتطرف، والعصبية.
فهل يسمع شباب اليوم نداء الوطن؟
وهل نعيد معًا كتابة مجد جديد… يكون فيه الشباب هم رأس الحربة في تحرير الصومال من نفسه، لا من غيره؟
بقلم: عبدالقادر علي معلم