مقديشو 28 ربيع الآخر 1447 هـ الموافق 20 أكتوبر 2025 م (صونا)- لقد أصبحت مرحلة التحول الديمقراطي واقعًا ملموسًا في الصومال، مع إعلان الدفعة الأولى من سكان العاصمة مقديشو الذين سجّلوا أسماءهم للتصويت لأول مرة منذ أكثر من خمسين عامًا.
إنها ثمرة جهدٍ طويلٍ ومسارٍ شاقٍّ، يُعاد فيه القرار إلى أيدي الشعب بعد أن كانت آخر مرة يختار فيها المواطنون قيادتهم عبر صناديق الاقتراع عام 1969م.
إن تسجيل مليون من سكان مقديشو أنفسهم للتصويت لا يُعد حدثًا عاديًا، بل يحمل دلالاتٍ عميقة تختلف عن كل ما شهدته البلاد من قبل.
وقبل التوقف عند الرسائل التي تبعث بها هذه الخطوة التاريخية، أودّ أن أستعرض بإيجاز أبرز المحطات التي مررنا بها للوصول إلى هذه النتيجة المشرّفة.
خمس خطوات مفصلية اتخذتها الحكومة
1- الاتفاق السياسي حول الانتخابات المباشرة
بعد أقل من شهر على توليه منصبه، بدأ فخامة الرئيس الدكتور حسن شيخ محمود مشاوراتٍ مع حكومات الولايات الفيدرالية للتوصل إلى اتفاق بشأن نظام الانتخابات المنصوص عليه في الدستور، وفاءً لوعده الانتخابي الذي قدّمه عام 2022م.
ومن خلال عشرة اجتماعات عقدها “مجلس التشاور الوطني”، تمهّد الطريق لانطلاق عملية التسجيل في معظم أنحاء البلاد، وهي خطوة أولى تستحق أن تُسجَّل في صفحات التاريخ.
2- استكمال التشريعات القانونية للانتخابات
أعدّت حكومة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري، المنفّذة لسياسات الرئيس، جميع التشريعات اللازمة وأجازتها عبر المسارات القانونية كافة، مستفيدة من الاتفاق السياسي القائم، وهو ما أتاح الدخول في انتخابات مباشرة قائمة على أسس دستورية وقانونية راسخة.
3- إنشاء الهيئات المنفّذة للانتخابات
عقب استكمال المراحل السابقة، شرعت الحكومة في بناء الهيئات المكلّفة بتنفيذ الانتخابات المباشرة وفقًا للقانون والاتفاقات السياسية. وبعد جهدٍ كبير، تم تأسيس لجان تتمتع بصلاحيات قانونية كاملة، وهي التي أعلنت هذا المساء نتائج التسجيل الأولية التي نفّذتها.
4- تأمين العملية الانتخابية
بالتوازي مع الخطوات السياسية والتنظيمية، خاضت الحكومة معركةً حاسمة لتعزيز الأمن وحماية العملية الانتخابية من أي تهديدات، وفي مقدمتها خطر الخوارج وتجارة السلاح غير المشروعة والعصابات المنظمة.
وقد أثمرت هذه الجهود أن يصطفّ نحو مليون مواطن في شوارع العاصمة خلال خمسة أشهر في أجواء من الأمن والاستقرار، دون وقوع أي حادث أمني يُذكر، بفضل الله تعالى.
5- توفير المستلزمات اللوجستية للانتخابات
لإنجاح عملية التسجيل والاقتراع، كان لزامًا توفير جميع المستلزمات من أجهزةٍ ومكاتبٍ وموظفين ومركباتٍ وخدماتٍ مساندة. وبرغم التكلفة العالية، استطاعت الحكومة، بالاعتماد على إمكانياتها الذاتية، أن تلبّي احتياجات لجنة الانتخابات كافة، ما مكّنها من تحقيق هذه النتائج المشرفة التي أُعلن عنها اليوم.
إنجاز وطني يحقق حلم الأجيال
إن مجموع هذه الخطوات قد حوّل الحلم الذي راود الصوماليين منذ قيام حكومة “عرته” إلى حقيقة ملموسة. وهو واجب كان ينبغي على الحكومات السابقة أن تنجزه، غير أن التوفيق والجهد الصادق اجتمعا اليوم في قيادة الدولة الحالية لتصل بهذا المشروع إلى هذه المرحلة التاريخية.
إن قيمة هذا الحدث تتجاوز المصالح الفردية أو الفئوية، فهو خطوة تقرّبنا من إقامة دولةٍ تستمد شرعيتها من إرادة شعبها، وتعبّر عن تطلعات أبنائها ومستقبلهم.
ثلاث رسائل
أولًا: إلى المسؤولين المعارضين
قد لا تُسعدكم هذه الخطوة اليوم، لكنها ستُسعدكم غدًا. فأنتم تعلمون أنها طريقٌ لا مفرّ منه، ومسارٌ وطنيٌّ لا بدّ من سلوكه. ومن شقّ هذا الطريق الصعب اليوم، إنما فتح بابه لكم لتكونوا غدًا من الذين يجتنون ثماره.
ثانيًا: إلى الشعب
أيها المواطن، هذه حقيقة وطنية تُداوي جراح الانكسار الذي عانيناه طويلًا. فلا تنظر إليها من زاوية شخصٍ أو قبيلةٍ أو منطقة، بل انظر إليها كمستقبلٍ لك ولأبنائك يعود إلى يديك. فليكن إسهامك فيها خطوةً نحو التقدّم لا نحو التراجع.
الخاتمة
لا شك أننا لم نبلغ بعدُ الكمال المنشود، ولا شك أن هناك نواقص محتملة، وربما لا تفرح هذه الخطوة الجميع. لكن المؤكد أنه لا يوجد خيارٌ أفضل من هذا المسار الوطني الذي اخترناه، والمؤكد أيضًا أنها خطوةٌ تقودنا بثبات نحو النجاح، بإذن الله تعالى.
بقلم: معالي عبد الرحمن يوسف عمر (العدالة)
نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة
