أجرىت صحيفة الشروق المصرية حوار صحفي مع وزير الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الفيدرالية ، معالي محمد عبدالرزاق حسين
محمد عبدالرزاق لـ«الشروق»: نعتزم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الربع الأول من العام الحالي.. وقوات الأمن الصومالية نجحت في تحرير وإعادة الاستقرار لمناطق كانت تخضع لسيطرة حركة الشباب الإرهابية
البعثات الأزهرية في الصومال تلعب دورا في نشر العلم والتعاليم الصحيحة للدين الإسلامي.. ونتطلع لمزيد من الدعم المصري
أكد وزير الخارجية الصومالى محمد عبدالرزاق، أن العلاقات بين الصومال ومصر تاريخية تتسم بالقوة والمتانة، مشيرا إلى وجود آفاق عديدة للتعاون فى شتى المجالات لاسيما مجال التعليم الذى تمتلك فيه مصر خبرات واسعة ومتميزة.
وأضاف عبدالرزاق فى حوار خاص لـ«الشروق»، أن بلاده تتطلع إلى الدعم المصرى لها فى جميع المجالات المختلفة من أجل الوصول إلى بناء مؤسسات الدولة الصومالية، مشيرا إلى أن موقف بلاده بشأن ملف سد النهضة يقوم على التأكيد على أهمية مواصلة الحوار والتفاوض بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وأوضح عبدالرزاق أن الحكومة الفيدرالية الصومالية تعتزم تنظيم انتخابات حرة ونزيهة فى الربع الأول من العام الحالى، وإلى نص الحوار:
* العلاقات «المصرية ــ الصومالية» تتصف بخصوصية وتتمتع بعمق تاريخى وثقافى.. ما هى آفاق التعاون بين البلدين؟
ــ علاقات مصر والصومال تعود إلى عهد الفراعنة، خاصة عندما قامت الملكة حتشبسوت برحلتها التاريخية إلى «بلاد بونت» آنذاك «الصومال» حاليا، كما شهدت العلاقات فى الستينيات وما بعدها طفرات كبيرة من التفاهم والتعاون فى المحافل الإقليمية والدولية. وكانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت باستقلال بلادنا عام 1960، ولا يزال اسم الدبلوماسى المصرى الشهيد كمال الدين صلاح محفورا فى ذاكرة الشعب الصومالى والذى دفع حياته ثمنا لجهوده من أجل حصول الدولة على استقلالها والدفاع عنها والحفاظ على وحدة أراضيها.
وقدمت مصر الدعم لبلادنا عقب الاستقلال مباشرة فى شتى المجالات، لاسيما فى مجال التعليم حيث تواجدت المدارس والمُعلمون المصريون فى العاصمة مقديشيو وأقاليم الدولة، فضلا عن البعثات الأزهرية التى كانت وما تزال تؤدى دورا مهمًا فى نشر العلم والتعاليم الصحيحة للإسلام.
ولا شك أن العلاقات الثقافية بين البلدين تتميز بالعمق والعراقة، حيث وافق الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكتوبر 2014 على زيادة عدد المنح الدراسية المُقدمة إلى الطلاب الصوماليين بالجامعات المصرية لتصبح 200 منحة جامعية سنويا، وكذلك معاملتهم معاملة الطلاب المصريين بمختلف الجامعات المصرية، وكل ذلك يصب فى إطار دعم الدولة الصومالية فى المجالات التى تمتلك فيها مصر خبرات واسعة ومتميزة.
أما عن العلاقات الاقتصادية فشهدت نموا وتطورا فى السنوات الأخيرة، بدعم إرادة سياسية قوية وسعى جاد من البلدين، حيث بلغ حجم التبادل التجارى ما يقرب من 88 مليون دولار خلال عام 2017 مقابل 54 مليون دولار عام 2016، ويأمل الصومال أن يستمر التعاون والعلاقات بين الشعبين راسخا وقويا مع العمل سويا لتحقيق المصالح المشتركة.
* فى مطلع ديسمبر الماضى.. عقد فى «مقديشيو» المنتدى الخامس للشراكة الدولية مع الصومال، وشاركت مصر فى أعماله ممثلة بمساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية شريف عيسى الذى التقى معكم على هامش المنتدى، فهل يرقى دور المجتمع الدولى إلى توقعاتكم؟
ــ هذا المؤتمر تطرق إلى الحديث عن جوانب متعددة وبخاصة الأوضاع السياسية، الاقتصادية، والأمنية فى الصومال، بهدف تعزيز العوامل الإيجابية والقضاء على أو تقليص العوامل السلبية، كما ناقش المشاركون فيه ما تم تحقيقه منذ انعقاد المؤتمرات والمنتديات السابقة، وكان هناك اجماع على أهمية اتخاذ خطوات فى القضايا ذات الأولوية والعمل على تذليل العقبات التى لا تزال موجودة بالفعل.
وأقر أصدقاء الصومال بالإنجازات التى حققتها القيادة السياسية الصومالية فى ظل قيادة الرئيس محمد عبدالله محمد فرماجو، على صعيد إعادة وتطوير وهيكلة النظام المالى للحكومة الصومالية وتنمية الدخل، وضبط الأمن، والانجازات التى حققتها قوات الأمن الصومالية فى تحرير وإعادة الاستقرار للمناطق كانت تخضع لحركة الشباب الإرهابية، كما أشاروا إلى عزمهم تقديم الدعم للقوات الصومالية وتطوير قدراتها حتى تتمكن من تحقيق الاستقرار فى المناطق التى تم تطهيرها مؤخرا من الإرهابيين.
وتشاورت خلال لقائى مع مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية السفير شريف عيسى، حول عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن مُستجدات الأوضاع فى منطقة القرن الأفريقى، كما تم التركيز حول القضايا الثنائية وبحث سُبل التعاون بين البلدين فى شتى المجالات، ولا شك أن مشاركة مصر فى هذا المنتدى الهام تُمثل أهمية كبرى على مسار التعاون وتعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة.
* ما هو موقف بلادكم من ملف سد النهضة؟
ــ موقفنا بشأن هذا الملف مُعلن، وهو موقف «محايد»، وليس من نهج سياستنا الخارجية الانحياز لطرف بعينه، ونؤكد مجددا ضرورة مواصلة الحوار والتفاوض وعمل جميع الأطراف للوصول إلى تسوية الأزمة وحماية حقوق شعوب الدول الثلاث «مصر والسودان، وإثيوبيا» عبر الحوار والتفاوض.
* كيف ترى آفاق الانتخابات الرئاسية المقبلة فى بلادكم؟
ــ أعلنت الحكومة الفيدرالية التوصل لاتفاق مع رؤساء الأقاليم بشأن الإعداد لعقد انتخابات رئاسية وبرلمانية، فى ختام الاجتماع التشاورى الذى عُقد فى سبتمبر بالعاصمة «مقديشيو» بين قادة الدولة الفيدرالية بقيادة الرئيس محمد عبدالله فرماجو ورؤساء الأقاليم، وتضمن الاتفاق تعيين لجنة انتخابية على المستوى الفيدرالى بالتعاون مع لجان انتخابية لكل إقليم، والحفاظ على حصة المرأة المحددة بـ 30 % كما نص الاتفاق على أن تتولى الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم مسئولية الأمن فى الانتخابات المقبلة مع التعهد بحماية حرية التعبير بموجب الدستور المؤقت للبلاد وقانون الصحافة، ومنح وسائل الإعلام الفرصة لتقديم التقارير بحرية فى مراكز الاقتراع، وتجنب كل ما قد يعيق ممارسة المسئولية الانتخابية.
وتعتزم الحكومة الصومالية بالتعاون مع الأقاليم والمجتمع الدولى إجراء انتخابات حرة ونزيهة فى الربع الأول من العام الحالى.
* توليتم منصبكم الحالى منذ فترة زمنية قصيرة فى أعقاب صدور بيان من الخارجية الصومالية حول الأوضاع فى إثيوبيا وصف بأنه لا يعبر عن موقف حكومة الصومال الفيدرالية ما هو موقفكم من الأوضاع فى القرن الأفريقى؟ وكيف تؤثر على بلادكم؟
ــ أود التأكيد أنه تم اختيارى لهذا المنصب بناءً على خبرتى السابقة مع حكومة الصومال والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية، وإيمانا بأننى أستطيع بالمساهمة الفعالة، والدفع قٌدما لتمكين العلاقات الدبلوماسية الصومالية مع العديد من البلدان المختلفة، لاسيما دول القرن الأفريقى والعالم العربى والتى تربطنا معهم العديد من المصالح المشتركة، ومن ثم يجب أن يكون الوضع فى القرن الأفريقى أولا منطقة آمنة وخالية من النزاع والعنف، لتتمتع تلك الدول بعلاقات متعددة الأوجه تقوم على أساس الاحترام المتبادل وفقًا لميثاق مفوضية الاتحاد الأفريقى.
* كيف تنظر الحكومة الصومالية إلى التطورات على الساحتين العربية والأفريقية؟ وما الذى ينتظره الصومال لاستعادة الاستقرار فى مختلف ربوعه؟
ــ موقف الصومال مُحايد بالدرجة الأولى كما أشارت سابقا سواء فيما يتعلق بما يجرى على الساحتين العربية والأفريقية، وهناك تطورات إقليمية تشهدها منطقة القرن الإفريقى منذ يوليو عام 2018، ومن ثم هناك آمال حول مستقبل مُغاير عما شهدته دول المنطقة خلال العقود الماضية من خلال رغبة إقليمية فى تحقيق التعاون فى جميع المجالات، والعمل على تجاوز ما تواجه المنطقة من تحديات وعقبات، وهو ما ينعكس بدوره إيجابيًّا على مستقبل القرن الأفريقى خلال المرحلة المقبلة، ويرحب الصومال دائما بالتغييرات السلمية التى تؤدى إلى التكامل والتعاون والتنمية، مع احترام سيادة الدول والتعايش السلمى معها.
وفى الوقت الراهن أصبحنا أمام مرحلة جديدة تشهد فيها المنطقة تحولات استراتيجية بدت مبشرة لتأسيس حقبة زمنية جديدة تتسم بالمزيد من التفاعل والاندماج بين دول القرن الإفريقى فى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث أصبحت أكثر جذبًا للعديد من القوى الدولية الراغبة فى بسط النفوذ والهيمنة، وأكثر انفتاحًا على الاستثمارات الأجنبية.
كما أن الموقع الجغرافى لتلك المنطقة والتى تتميز بإطلالتها على البحر الأحمر والخليج العربى وخليج عدن والمحيط الهندى جعلها تحظى بأهمية استراتيجية كبرى على الصعيدين الإقليمى والدولى، ومن الممكن تسخيرها من أجل تعزيز التكامل وخلق عصر جديد من التنمية والاستقرار فى القرن الإفريقى، ويتطلع الصومال إلى دعم الدول العربية والأفريقية بالوقوف حتى تعود من جديد وتؤدى دورها فى المنطقة.
* كنت مرشحا للرئاسة فى الصومال فى الانتخابات الماضية منذ أكثر من ثلاث سنوات.. كيف يمكن للصومال أن يخرج من الدائرة التى أحاطت به على مدار ثلاثة عقود فى أعقاب سقوط نظام سياد برى؟
ــ يُمكن للصومال أن يخرج من تبعات الدمار التى عانى منها فى العقود الماضية عبر بناء ثقة الشعب الصومالى وتقوية ترابطه، وتجنب كل ما يسبب الفرقة والنزاع فيما بينه، سواء كان ذلك لمصالح خارجية أو على أساس التفرقة، عندها يُمكننا هزيمة الإرهاب الذى أصبح عائقًا فى طريق استقرار الدولة وتنميتها.