مقديشو15 ذو الحجة 1446 هـ الموافق11 يونيو 2025 م (صونا) – الحمد لله على نعمة الأمن التي تنعم بها مقديشو ومعظم المدن الصومالية الرئيسية، بعد سنوات طويلة من الخوف والعنف. نعمة لا تقدّر بثمن في بلدٍ جرّب مرارة الفوضى، وذاق شعبه التهجير والتفجير. يعود الفضل أولًا لله تعالى، ثم لأبطال الأمن الذين سهروا الليالي، وعرّضوا أرواحهم للخطر، ليعيش المواطن في طمأنينة وسلام.
وقد تجلّى هذا الأمن بأبهى صوره خلال عيد الأضحى المبارك، حيث امتلأت شوارع العاصمة وأسواقها ومصلياتها بالسكينة، وخرج الناس للصلاة والمعايدة والتسوّق دون خوف أو اضطراب. لم يكن العيد هذا العام مجرد طقس ديني، بل شكّل احتفالًا جماعيًا بعودة الحياة ورسالة أمل متجددة تعلن الثقة بالله، ثم بالدولة ومؤسساتها التي بدأت تستعيد زمام المبادرة.
ومن تمام الشكر وعمق الفقه، أن يقف الإنسان وقفة امتنان لله أولًا، ثم تحية وتقدير لكل من ساهم في بسط هذا الأمن: من القيادة، إلى الجنود الأوفياء، إلى الشعب الصامد الذي آمن أن الأمن مسؤولية جماعية. وكما قال النبي ﷺ: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله.”
لكن، ورغم هذا التحسن الملحوظ، لا تزال التهديدات قائمة في ظل وجود جماعات متطرفة، أبرزها “حركة الشباب” و”داعش”، وهي تنظيمات إرهابية تكفر الدولة والمجتمع، وتمارس العنف تحت عباءة زائفة من التدين. لم تكتفِ هذه الجماعات بالغلو، بل مارست إرهابًا منظمًا، استهدف الأسواق والمساجد والطرقات، كما في تفجيرات زوبى 1 و2، حيث قتلت المصلين وروّعت الأبرياء.
فكر هذه الجماعات يكفّر، وسلوكها يقتل، وصوتها يروّع. إنها لا تكتفي بتدمير المباني، بل تهدف إلى نسف المعاني: معاني الاعتدال، والرحمة، والانتماء. تستغل الهشاشة الأمنية والانقسام السياسي والقبلي لتوسيع نفوذها، وفرض رؤيتها الظلامية على المجتمع.
ولا خيار أمام الصوماليين – دولة وشعبًا – إلا الوعي بخطر هذه الجماعات. فهي ليست معارضة مسلحة، بل سرطان فكري وجودي، لا بد من اجتثاثه من الجذور، عبر الفكر، والتعليم، والإعلام، والإدراك المجتمعي المشترك، الذي يحصّن المجتمع من الانحراف، ويحمي الدولة من التفكك، ويصون الدين من التحريف.
النصر الحقيقي لا يُقاس بتحرير أرض فقط، بل بتحرير العقول من الأوهام، وإنقاذ الفكر من الغلو، واستعادة وعي المجتمع من مستنقعات الكراهية والتضليل.
فليكن شعار المرحلة القادمة: لا مكان لخوارج العصر في أرض الصومال.
بقلم: عبد القادر المعلمي – كاتب ومحلل سياسي صومالي
Abdulkadirali@gmail.com